قـال تعالى : (( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرِ يأتين من كل فجِ عميـق , ليشهدوا منافع لهم ويذكروا أسم الله في أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم , وليوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق))
:: تعريف الحج والعمرة لغة وشرعاً ::
الحج لغة :- القصد ( النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1/340 )
تقول العرب :
حج بنو فلان فلاناً إذا قصدوه وأكثروا التردد عليه ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت الله تعالى وإتيانه ، فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد لأنه هو المشروع الموجود كثيراً (شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/75 وانظر المصباح المنير 1/121 ).
الحج شرعاً :- هو التعبد لله عز وجل بأعمال مخصوصة في أوقات مخصوصة ، في مكان مخصوص من شخص مخصوص على ما جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
:: حكم الحج ::
الحج :- وهو واجب وفرض بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبإجماع المسلمين ( الإجماع لابن المنذر ص54 وشرح العمدة 15/87 ) . وهو أحد أركان الإسلام التي بني عليها . وهو واجب على من توافرت به الشروط في العمر مرة واحدة إلا أن ينذر فيجب عليه الوفاء بالنذر وما زاد فهو تطوع .
ودليل وجوب الحج هو قول الله تبارك وتعالى [ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ] سورة آل عمران آية 97 .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ..] رواه مسلم 2/975 في الحج باب فرض الحج مرة في العمر .
ومن أنكر فرضية الحج فهو كافر مرتد عن الإسلام إلا أن يكون جاهلاً بذلك كأن يكون حديث عهد بإسلام أو ناشئ في بادية بعيدة لا يعرف من أحكام الإسلام شيئاً فهذا يعذر بجهله ويعرّف ، ويبين له الحكم ، فإن أصر على إنكاره حكم بردّته ، وأما من تركه متهاوناً مع اعترافه بفرضيته فهذا لا يكفر ولكنه على خطر عظيم لأن الراجح أن الحج واجب
:: شروط وجوب الحج والعمرة ::
الشرط الأول : [ الإسلام ] لقوله تعالى [ إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ] سورة التوبة آية 28 .
ولأنه لا يصح منهم ذلك ومحال أن يجب ما لا يصح لأن العبادات لا تجب إلا على المسلم لأن كل عبادة لا تصح من كافر لقوله تعالى [ وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ] سورة التوبة آية 54.
الشرط الثاني : [ العقل ] فلا حج ولا عمرة على مجنون إلا أن يفيق لقوله صلى الله عليه وسلم [ رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبدأ ، وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم ] رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الألباني ص ج ص 2/35 .
الشرط الثالث : [ البلوغ ] فلا يجب الحج على الصبي حتى يبلغ ولكن لو حج صح حجه لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام . لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً فقالت : ألهذا حج ؟ قال : [ نعم ولك أجر ] رواه مسلم 2/974 .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : [ أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى .. ] رواه الخطيب البغدادي وصححه الألباني في ص ج ص 2729 .
الشرط الرابع : [ كمال الحرية ] فلا يجب الحج على المملوك ولكنه لو حج فحجه صحيح لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم : [ وأيما عبد حج ثم أعتق ، فعليه أن يحج حجة أخرى ] نفس المصدر السابق
الشرط الخامس : [ القدرة أو الاستطاعة بالمال والبدن ] :
* فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه فإنه ينيب من يحج عنه لفعل المرأة الخثعمية التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم ( فقالت يا رسول الله : إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال عليه الصلاة والسلام [ نعم ] وذلك في حجة الوداع ) شريطة أن يكون النائب قد حج عن نفسه .
* أما من كان قادراً ببدنه دون ماله ولا يستطيع الوصول إلى مكة فإن الحج لا يجب عليه .
* [ ومن القدرة ] أن تجد المرأة محرماً لها . فإن لم تجد محرماً فإن الحج لا يجب عليها لقوله عليه الصلاة والسلام [ لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا ومع ذي محرم ، فقال رجل : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال عليه الصلاة والسلام [ انطلق فحج مع امرأتك ] البخاري مع الفتح 6/143 ومسلم 3/978 .
* لكن لو حجت المرأة بغير محرم أجزأتها الحجة عن حجة الفرض مع معصيتها وعظيم الإثم عليها .[شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية 1/182] .
* لكن اختلف العلماء هل يجب على من لم تجد محرم أن تنيب من يحج عنها ويعتمر ؟ أو لا يجب ؟
على قولين لأهل العلم بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب الأداء ؟ أو هو شرط للوجوب من أصله ؟ والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله تعالى- أن المحرم شرط للوجوب وأن المرأة التي لا تجد محرماً لا يلزمها حج ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها .
::أركان وواجبات الحج ::
أولاً : اركان الحج :
1- الإحرام ( النية )
2- الطواف حول البيت ( طواف الإفاضة )
3- السعي بين الصفا والمروة
4-الوقوف بعرفة .
فلا يتم الحج إلا بأداء هذه الأركان ومن ترك ركناً فسد حجه ..
ثانياً :
واجبات الحج :
1-الإحرام من الميقات
2-الوقوف بعرفة إلى الغروب
3- المبيت بمزدلفة إلى ما بعد منتصف الليل
4- رمي الجمار
5-الحلق أو التقصير
6-المبيت بمنى ليالي منى ( أيام التشريق )
7- طواف الوداع .
ومن ترك واجباً من الواجبات جبره بدم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها ويصح حجه بإذن الله تعالى .
:: مواقيت الحج والعمرة ::وتنقسم إلى قسمين :
القسم الأول :
المواقيت الزمانية :
وتبتدئ المواقيت الزمانية للحج بدخول شهر شوال وتنتهي إما بعشر ذي الحجة ( يوم العيد ) أو بآخر يوم من أيام ذي الحجة وهو القول الراجح لذا فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة ، ولا يجوز أن يؤخرها عن ذلك اللهم إلا لعذر .
أما العمرة فليس لها ميقات زمني فإنها تُفعل في أي يوم من أيام السنة لكنها في رمضان تعدل حجة وكذلك العمرة في أشهر الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات كلها في شهر ذي القعدة وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج مزية وفضل .
القسم الثاني :
المواقيت المكانية :
وهي خمسة مواقيت : [ ذو الحليفة ، الجحفة ، يلملم ، قرن المنازل ، ذات عرق ]
1) أما ذو الحليفة :
فهو المكان المسمى الآن أبيار علي وهي قريبة من المدينة وهي أبعد المواقيت عن مكة وهي لأهل المدينة ولمن مر بها من غير أهلها ممن أراد الحج أو العمرة .
2) الجحفة :
وهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة وقد خربت القرية وصار الناس يحرمون من رابغ بدلاً منها .
3) يلملم :
وهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن في طريقهم إلى مكة ويسمى اليوم ( السعدية ) .
4) قرن المنازل : وهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة ويسمى الآن ( السيل الكبير ) ويحرم منه أهل الطائف .
5) ذات عرق :
وهو مكان في طريق أهل العراق إلى مكة ويسمى الآن الضريبة
هذه بعض الفتاوى التي اخترتها :
السؤال 1 :-
لقد يسر الله عليَّ فريضة الحج في عام 1415هـ ونويت الحج بنسك (القران) ونطقت بقولي: لبيك حجاً. لبيك اللهم لبيك ...الخ. هل هذه التلبية خاصة بنسك الإفراد، أم لجميع أنواع الحج؟ لأني قد نويت بها في نسك القران..! وكذلك عندما نويت القران في قلبي لم أكن أعلم أنه في هذا النسك حج وعمرة مقترن ببعضها، فقط طفت وسعيت وهكذا، هل علي شيء في ذلك.
الجواب:-
على القارن أن ينوي أن إحرامه بالحج والعمرة جميعاً، ويقول في التلبية ( لبيك عمرة وحجاً ) ثم يقول: لبيك اللهم لبيك ... الخ ويطوف للقدوم، ويبقى على إحرامه، ويقف بعرفة، ويعمل أعمال الحج وعليه دم، لأنه في حكم المتمتع، حيث إن نسكه يكفيه عن الحج والعمرة لتداخلهما، ويجوز إذا أحرم بالعمرة أن يدخل عليها الحج فيصير قارناً، ولا يجوز إدخال العمرة على الحج، ويفضل لمن أحرم قارناً أن يفسخ إحرامه إلى عمرة، ويصير متمتعاً إن كان في الوقت سعة، والله أعلم.
السؤال 2:-
لي والدة كبيرة في السن، ولا تستطيع أن تتحمل مشاق أداء المناسك، وتتمنى ان ينعم الله عليها بزيارة بيته وأداء مناسك الحج، ولكني غير قادر مادياً، فهل يجوز لي أن أحج نيابة عنها؟
الجواب:-
إذا كانت داخل المملكة، ولم يسبق أن حجت الفرض، وهي تقدر على الثبات والاستقرار على السيارة أو الطائرة، وعندها أو عند وليها من المال ما يكفيها نفقة وأجرة للحج، وجب عليها ذلك، ولو مع شيء من المشقة، فقد خفت المؤنة، وزالت التكلفة الشديدة لتوفر المراكب المريحة، وسهولة المواصلات، فهناك من يطوف بها محمولة، ومن يسعى بها على عربة، وتقف مع أهل عرفة، وفي بقية المشاعر، وتوكل من يرمي عنها، الجمرات، ومن يذبح عنها وبذلك يتم حجها، أما إن سبق لها أن حجت الفرض، وهي الآن كبيرة في السن، لا تتحمل المشاق إلا بصعوبة، فأرىأن لولدها أن ينوب عنها، ويجعل حجته لأمه، وهكذا إن كانت خارج المملكة، لصعوبة دخول المملكة، سيما أوقات المواسم، فلها أن توكل من ينوب عنها للفرض أو النفل، ولو من داخل المملكة لعجزها عن النفقة، والله أعلم.
أجاب على السؤالين السابقين الشيخ عبدالله بن جبرين حفظه الله.
السؤال الثالث:-
سافرت امرأة إلى الحج وجاءتها العادة الشهرية منذ خمسة أيام من تاريخ سفرها وبعد وصولها إلى الميقات اغتسلت وعقدت الإحرام وهي لم تطهر من العادة وحين وصولها إلى مكة المكرمة ظلت خارج الحرم ولم تفعل شيئا من شعائر الحج أو العمرة ومكثت يومين في منى ثم طهرت واغتسلت وأدت جميع مناسك العمرة وهي طاهرة ثم عاد الدم إليها وهي في طواف الإفاضة للحج إلا أنها استحت وأكملت مناسك الحج ولم تخبر وليها إلا بعد وصولها إلى بلدها فما حكم ذلك ؟
الجواب :
الحكم في هذا أن الدم الذي أصابها في طواف الإفاضة إذا كان هو دم الحيض الذي تعرفه بطبيعته وأوجاعه فإن طواف الإفاضة لم يصح ويلزمها أن تعود إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة فتحرم بعمرة من الميقات وتؤدي العمرة بطواف وسعي وتقصر ثم طواف الإفاضة، أما إذا كان هذا الدم ليس دم الحيض الدم الطبيعي المعروف وإنما نشأ من شدة الزحام أو الروعة أو ما شابه ذلك فإن طوافها يصح عند من لا يشترط الطهارة للطواف فإن لم يمكنها الرجوع في المسألة الأولى بحيث تكون في بلاد بعيدة فحجها صحيح لأنها لا تستطيع أكثر مما صنعت .
السؤال الرابع:-
تقول السائلة : لقد قمت بأداء فريضة الحج العام الماضي وأديت جميع شعائر الحج ما عدا طواف الإفاضة وطواف الوداع حيث منعني منهما عذر شرعي فرجعت إلى بيتي في المدينة المنورة على أن أعود في يوم من الأيام لأطوف طواف الإفاضة وطواف الوداع وبجهل مني بأمور الدين فقد تحللت من كل شيء وفعلت كل شيء يحرم أثناء الإحرام وسألت عن رجوعي لأطوف فقيل لي لا يصح لك أن تطوفي فقد أفسدت وعليك الإعادة أي إعادة الحج مرة أخرى في العام المقبل مع ذبح بقرة أو ناقة فهل هذا صحيح ؟ وهل هناك حل آخر فما هو؟ وهل فسد حجي ؟ وهل علي إعادته ؟ أفيدوني عما يجب فعله بارك الله فيكم .
الجواب :
هذا أيضا من البلاء الذي يحصل من الفتوى بغير علم . وأنت في هذه الحالة يجب عليك أن ترجعي إلى مكة وتطوفي طواف الإفاضة فقط أما طواف الوداع فليس عليك طواف وداع ما دمت كنت حائضا عند الخروج من مكة وذلك لأن الحائض لا يلزمها طواف الوداع لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- : "أمر الناس أن يكون عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض " ، وفي رواية لأبي داود : "أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف " . ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -لما أخبر أن صفية طافت طواف الإفاضة قال : "فلتنفر إذا" ودل هذا أن طواف الوداع يسقط عن الحائض أما طواف الإفاضة فلا بد لك منه . ولما كانت تحللت من كل شيء جاهلة فإن هذا لا يضرك لأن الجاهل الذي يفعل شيئا من محظورات الإحرام لا شيء عليه لقوله تعالى:. (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) قال الله تعالى : (( قد فعلت )) . وقوله : (( ليس عليكم جناح فيما أخطأتم ولكن ما تعمدت قلوبكم )). فجميع المحظورات التي منعها الله تعالى على المحرم إذا فعلها جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا شيء عليه لكن متى زال عذره وجب عليه أن يقلع عما تلبس به .
أجاب على السؤالين السابقين الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله...
السؤال الخامس:-
نفيد فضيلتكم أنه يوجد لدى أخ لزوجتي وهو يبلغ من العمر 80 عاماً وهو مصاب بمرض الشلل في جنبه الأيمن وهو مصاب به من صغره فهو لا يستطيع المشي مع الأصحاء وليس لديه دخل إلا من الضمان الاجتماعي وهو يريد قضاء فريضة الحج علماً أنه لا يستطيع أن يركب السيارة ، فهل يجوز له أن يدفع أجراً على حجته كما يفعل الغير وما نفعل ؟ نرجوا إفادتنا عن ذلك ؟
الجواب:-
إذا كان الواقع كما ذكرت من مرض أخي زوجتك وتوفر لديه مما يعطاه من الضمان الاجتماعي ، ومما يأخذه من الصدقات أو المعونات الأخرى ما يكفي أن ينيب من يحج عنه ويعتمر: ؛ لأنه وإن عجز عن ذلك مباشرة حج الفريضة والعمرة بنفسه فهو مستطيع ذلك بنيابة غيره عنه بماله. ( اللجنة الدائمة للإفتاء : 2564 في 21-8-1399هـ )
يتبع>>>>>